مابك ؟
بقلمي .. مفيدة بن علي
كان يسمع أنينها يخترق الجدران و يفتت الأحجار و ينفذ إلى مسمعه . ثم من حين إلى آخر كان يسمع شهقاتها و هي تنهار باكية . كان قلبه ينتفض مع كل شهقة و يتفتت لأنينها القاتل .. في كل مرة كان يقفز من سريره بإتجاه الباب لاكتشاف الأمر ، لكنه يتراجع قبل أن يفتح الباب . كان يقرّع نفسه " ما دخلك في من ينكفئون على ذواتهم و يتحصّنون بالجدران و الأسقف و يوارون أحزانهم خلف الأبواب ؟ مالك و من يشكو همومه وسادة يجدها أرحب من صدور البشر ؟ ربما كانت برفقة أحدهم تبكي على صدره و ربما كان يضمّها و يواسيها .. لكني لم أسمع أحدا يواسيها أو يكلّمها . يا الله ! ما هذا الموقف " !
لم تذق طعم الراحة و لم يذق هو طعم النوم . كانت أحزانها تخيّم على المكان وضع الوسادة على رأسه و ضغط عليها أملا في التخلّص من آثار ذلك الأنين و طلبا للراحة ، لكنه عبثا كان يفعل . إنها في غرفة مجاورة ، على بعد قدم منه . إنها تمكث خلف الجدار الذي يتكئ عليه ..
أخير استجمع شجاعته و جرأته و توجه إلى الباب يفتحه دون تردد . ثم بكل ثبات قصد غرفتها . طرق الباب . لم يردّ أحد . أدار المقبض فإذا الباب مغلق و ليس مقفلا و كان النور مطفيا . دفع الباب و سأل " هل لي بالدخول ؟" . لم يجد سؤاله إجابة . عزم على التراجع و لكن شيئا ما بداخله منعه و دعاه للتقدم خطوات . أشعل النور و جال ببصره في الغرفة . كانت جالسة على الأرض تسند ظهرها إلى أريكة بإحدى زوايا الغرفة . و تحضن ركبتيها في حالة من الانطواء الرهيب و لم تكن تحرك ساكنا .
تقدم نحوها في تردد في حين رفعت بصرها نحوه دون أدنى حركة . ثم عادت بعد ذلك تخفي وجهها بين ركبتيها .
كانت إمرأة في العقد الرابع ربما .. أو على الأقل كانت تبدو كذلك . لم تلتفت إليه و لم تنبس ببنت شفة . جلس القرفصاء قبالتها ثم لمس شعرها فيدها . خاطبها بكلمات متقطعة و صوت خافت متهدّج
مابك ؟
مفيدة بن علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق