نزهة على شواطئ الفلسفة , (الشيفرة الكونية) ,,,,,, رماز الاعرج
الحلقة الرابعة من نواميس الكون ,,, معذرة لطول المنشور ,,
2 ناموس التوازن الشامل
في البداية قبل الدخول في تفصيل هذا الناموس لا بد من الاشارة ان هذا الناموس من اقدم النواميس التي عرفها الانسان عبر المراقبة الحسية , وهو شديد الشبه وقريب في وضعيته وفعله ومتداخل مع ناموس الكتلة والحيز السالف الذكر , وحتما لاحظ الانسان هذه العلاقات بين الاشياء وتوزيعها في الطبيعة والكون من حوله , وحتى في ممارسة نشاطه اليومي العادي كان لا بد للإنسان ان يراعي هذه القوانين وفعلها , فتجاوزها احيانا يشكل خطر عليه وعلى حياته , لذلك كان ملزم بمراعاة هذه القوانين سواء ادركها عقليا ام بقي ادراكها في النطاق الغريزي المحض .
والدليل على هذا القول ان الانسان منذ بداية نشؤ رؤيته الدينية ومحاولات تفسير الظواهر كانت رؤيته فلسفية بالأساس ومحاولة لتفسير والجود وتفسير ذاتهن ايضا , ولذلك جعل لكل قوة من قوى الطبيعة ألاه يتحكم بها , وجعل توازن بين هذه الاله المتناقضة , والتي عبرة عن قوى متناقضة بالأساس , وحين رجعنا للأديان القديمة ما قبل التاريخ وما حواه علم الاثار ايضا من اثار ومخطوطات وتماثيل قديمة وغيرها , تقول لنا بكل وضوح ان الانسان كان مدرك و واعي لجميع تناقضات الكون وقوانينه الاساسية , من النار الى التراب والماء والهواء , وهي ما سمي بنظرية الاخلاط الاربعة والتي يدع البعض ان اليونان هم من اكتشفها , لدرجة انها منسوبة لفيلسوف يوناني اسمه أبقراط أعظم أطباء زمانه فيء اثينا بلا منازع وقد ولد في مدينة كوس في السنة التي ولد فيها ديموقريطوس (464ق .
بينما في الحقيقة هذه الاخلاط الاربعة وفكرتها والتوازن بينها بحسب علم الاثار ومعطياته من تماثيل حجرية وغيرها , هذه الاخلاط كانت معروفة عند الكنعانيين القدماء , فبعل مثلا يمثل ألاه المطر و الماء و ايل ألاه النار وكلمة ايل في الغة الكنعانية القديمة تعني النار والنور , وثم عشتار الهة الارض المؤنثة التي كانت ترمز للخصوبة و الانوثة .
ان الدارس لهذه الميثولوجيا القديمة بتروي واتساع افق بإمكانه ان يقرأ رؤية المجتمع الفلسفية و الدينية الاجتماعية لك العصر , ويمكننا ان نرى بكل وضوح التناقضات جميعها وصراعها على شكل صراع بين الاله , وفي النهاية دوما يسود النظام أي التوازن , ونلاحظ دوما ان هذا التوازن يشكل سيد الاحكام في غالبية الظروف المرغوبة لدى الانسان , وحتى في فهم وتفسير ما هو الخير والشر , نجد ان الخير في الغالب هو من نصيب التوازن , وان التوازن و النظام والاستقرار هو الخير , والشر دوما هو الفوضى والخروج عن المألوف و النظام أي كان نوعه .
ونلفت في هذا السياق اننا لا نتحيز للكنعانيين , ولكنها مثل اثري معروف ومن اقدمها و اكثرها وضوح حول هذا الامر , وفكرة هذه الاخلاط الاربعة قديمة جدا ما قبل التاريخ الذي نعرفه , والدليل على هذا ان جميع هذه الاله المذكورة والمعتقدات هي موروثة منذ مئات آلاف من السنين , فقد عثر على تماثيل يعتقد العلماء الاثرين انها تمثل عشتار , يعود اقدمها الى ما يزيد عن 350 الف عام ق م , وبذلك يمكننا القول ان الفكر الفلسفي ورؤية المتناقضات وفهم توازناتها كان معروف ودارج ومتعارف عليه من قديم الزمان , كيف لا وهذه التناقضات من ابرز مظاهر الطبيعة التي نراها ونحتك بها باستمرار وفي كل لحظة ونراعي وجودها دوما وفعلها دون ان نفكر في ذلك على اعتبار الامر تحصيل حاصل ولا داعي للتفكير به , ولكن لو امعنا التفكير قليلا سنصاب بالصدمة لما سنراه حقا ,
ومن اهم ما يعطينا اياه هذا البحث ان الفكر الانساني في رؤيته الفلسفية للكون قد حمل هذه النواميس وتفسيره لها على مدى العصور , بل وتأقلم معها وراعا وجدها وقدس ما هو ايجابي منها لحياته و مصالحه , مثل التوازن و الانسجام , والمحبة وغيرها من القضايا , وبما في ذلك توازن وتناقض الظواهر وتلازمها واشتراطها لبعضها البعض , والدليل على هذا القول ان جميع الاديان القديمة البدائية كانت قائمة على اساس هذه التناقضات و وجودها وقوتها , ونجد ذلك واضح في تطور الفكر الانساني من خلال جميع العصور , التي المتاحة لنا للمعرفة .
من بدايات التاريخ المكتوب نجد تطور هذه النواميس ورؤية الانسان لها , وكيف تطورت هذه الرؤية في جميع مجالات الحياة , الاجتماعية و السياسية و الفلسفية والفنية وغيرها , مرورا بأقدم ما تركته الحضارات القديمة من كنعان الى سومر وفارس الى حضارات النيل والصين و اليابان و الهند و امريكا الاصلية وغيرها من الحضارات , وصولا الى اليونان والرومان والحضارة العربية الاسلامية والحضارة الفارسية وغيرها حتى العصر الاوروبي الوسيط وعصر النهضة الاوروبية الثاني الحديث , وصولا الى القرن الماضي والى عصرنا الراهن , وجدنا بكل وضوح ان هذه المفاهيم وان كانت غير منتظمة في سياق فكري معين بشكل واضح , إلا انها موجودة وموزعة في الكثير من المجالات والعلوم بل وفي الممارسة اليومية و النشاط اليومي العادي لأي انسان .
وبذلك نحن نمارس حياتنا اصلا بناء على وجود هذه القوانين وفعلها , وابسط مثال على ذلك قانون جاذبية الارض , وعليه نقيس بشكل متفاوت في ادراكنا لفعل هذه القوانين وخضوعنا لها في جميع حالات وجودنا , وفي اكثر من مرحلة تم مراجعة هذه القوانين ومحاولة اعادة صياغتها وتنظيمها بشكل معين يسهل فهمها ويناسب العصر ومكتشفاته العلمية والمعرفية , وها نحن في عصرنا الراهن نقوم بهذه المهمة بعد ان درسنا هذه النواميس من جديد , وحتى قبل 3 اعوام حين قمنا بصياغة هذه المفاهيم قبل نشرها اخر مرة سابقة , كانت تسير في سياق مغاير عن ما هي عليه الان , وهذا كان ضروري وهام جدا في اعادة تجديد المادة بما ينسجم مع مستجدات العلوم , ومن ضمنها و اهمها علم الفلك و الكونيات , وهنا نعيد تقديمها مجددة و ممنهجة بطريقة مشتقة من الواقع نفسه مباشرة لتكون قريبة قدر الامكان من الواقع وبذلك يسهل على دماغنا المتواضع الامكانيات ادراكها عقليا وتفسيرها وفهم فعلها في الواقع وان كنا غير قادرين على مراقبة هذا الفعل بشكل مباشر.
لنعود الى سياق موضوع النقطة .
تحدثنا مفصلا حول ناموس الكتلة والحيز والطاقة , ولم يكن هذا الاخير سوا مقدمة ومتداخل مع ناموس اخر ليس يتلوه بل يتداخل معه , ويشكل دور معياري في حركة هذا القانون وفعل ناموس الكتلة و الحيز , وهذا الناموس أي التوازن يحدد توزيع الكتل في الحيز و امكانية تحمل الحيز للكم الممكن احتماله منها , ولكل نوع من هذه التكتلات سواء طاقية او موجية او غازية او مواد حية او صلبة كلا منها له كتلة وكثافة ما وطاقة معينة وجاذبية كوانتية متكاملة , والحيز له قدرات محددة على احتمال الكم المتكدس من المادة و بتالي الطاقة , وليس جميع انوع المادة متوازية في تشكيلاتها الفيزيائية وبذلك تختلف الطاقة من شيء لآخر , وبذلك أي زيادة على المادة في الزحكان ومواده عن قدرة احتمال الحيز سوف يتم اعدة توزيعها في الحيز , وهذا عادتا يحصل بشكل تدريجي , لنعطي مثال بسيط , لو ملانا كاس كبير من الماء حتى النهاية القصوى , أي حتى يصل الماء الى حافة طرف الكاس العليا , و احضرنا حبة صغيرة من الاجاص ووضعناها في الكاس المليئة بالماء , حتما سينسكب كمية من الماء خارج الكاس فورا , بمقدار ما اضفناه من كتلة في الكاس .
لقد تدخل هنا قانون الكتلة والحيز ولكن ليس لوحده بل التوازن في الكتلة والطاقة والحيز هو من تدخل الان حيث انفقد التوازن وهذا الفقدان للتوازن ادى الى انسكاب الماء خارج الكاس , وبذلك حافظ على التوازن في كم الكتلة والطاقة الممكن احتمالها للمكان , لقد وقع هذا بشكل تدريجي الان وغير متطرف رغم انسكاب الماء خارج الكاس , ولكن في حالات اخرى , مثلا البارود , حين يشتعل البارود تتحول هذه المادة الى طاقة حرارية , وهذه الطاقة الحرارية تمدد الزحكان بشكل مفاجئ و هو غير قادر على احتمالها , فيندفع الزحكان من اضعف منطقة ممكنة محتملة , وهي فوهة البندقية , وفي حال قمنا بنفخ بلون او كرة مطاطية ما مثلا سيحدث الانفجار بعد مستوى معين من قدرة المطاط الاحتمال , و من الاتجاه الاضعف يكون منطقة النفجار.
ان هذه التجربة البسيطة تعطينا صورة واضحة وتجربة عن فعل هذين الناموسين المتداخل والمشتركة رغم انفصالهما عن بعضهما البعض , وهما يعطياننا صورة واضحة عن طبيعة الواقع ومدى تداخلاته العميقة وتعقيده , وكلما تعمقنا في فهم هذا الواقع كلما ارتفع منسوب التعقيد ومستواه .
ويشكل فعل هذا القانون التوازن اساس في عالمين الفلك ولكون الخارجي , حيث يلعب دورا هام و اساسي في توزيع الكتل والمواد في الحيز الكوني النسبي و الزحكان , ومن خلال فعلها اي توازن الطاقة والكتلة والحيز تتشكل معظم تشكيلات الكون وحركتها , حيث يلعب دور اساسي في حدوث الانفجارات الكونية الفلكية فكافة اشكلها التي نعرفها والتي لا نعرفها , وجميع ما في محيط معرفتنا يخضع لهذه النواميس بكل ثقة ووضوح غير قابل للنفي , وبذلك تلعب دورا اساسي هام في تشكل الثقوب السوداء وغيرها من الظواهر الفلكية مثل تشكل النجوم النيترونية بعد موتها كنجم هائل الحجم , بحيث تنضغط المادة بشكل غير متخيل , في حيز صغير للغاية مضغوط يجعلها تشكل حالة من التشكل المادي الغريب العالي الكثافة , وكذلك الثقوب السوداء الممكنة طبعا , وكافة انواع الانفجارات النجمية والتكتلات الفلكية والأبراج , و السديم الكوني الذي نعرفه , انها ليس نواميس الطبيعة الارضية بل هي نواميس كونية شمولية بامتياز وتشمل كل ما هو موجود , وسنرى في النواميس ألاحقة التي ستأتي بتسلسل منطقي ليس مبتكر بل كما هو الواقع على قدر الامكان , فنحن نحاول الغوص في عمق الوقع ذاته واستخلاص النظم و النواميس والمناهج وطرق المعرفة .
إن ترتيب هذه النواميس حسب أولويتها هو مقارب لما هو عليه في الطبيعة قدر الاماكن , وسنوضح هذا بالبيان والحجة القاطعة.
إن قانون التوازن الداخلي والجوهري بغض النظر عن نوع التناقضات وحجمها هو القانون الذي يحافظ على وجود الظواهر ضمن الوحدة المطروحة هنا وهو داخلي بحت رغم أنه هو أساس وجود الشكل الخارجي ,, وذلك لكون التوازن هو ما يحافظ على وجود الظاهرة على ما هي عليه.
و للمقارنة فإن قانون الوحدة والصراع يبدأ بالوحدة أولاً أي الشكل الخارجي و هذا الأخير هو بحد ذاته احد تجليات التوازن والية توزيع الكتلة في الماكن بحسب ظروف الحيز و طبيعة المادة المتكتلة به , ولولا التوازن في الاصل لما كانت هناك أي وحدة على الاطلاق , ما دام كل شيء متناقض اصلاً .
إن التوازن أكثر جوهرية من مفهوم الوحدة وهو اساس و شرط من شروط وجودها رغم أن هذه الوحدة المذكورة مشروطة بالتناقضات ايضا .
فالشكل الخارجي يشكل نصف القانون و نلاحظ أن قانون التناقض الاساسي يتشكل من جزئيين داخلي وهو التناقض , أما الخارجي فهو الوحدة ذاتها أما قانون التوازن فهو قانون داخلي واحد لا يتجزأ , و هو أساس بناء هذه الوحدة ولهذا فهو قانون الصراع الأسبق في الوجود والفعل أي (التوازن) كونه توازن بين المتناقضات الذي سيؤدي حتماً إلى الحفاظ على الوحدة لفترة معينة .
فهذا التوازن هو ما بين هذه التناقضات ومن اهمها , وهو ما يقرر الوحدة لفترة معينة من الزمن ( وسنترك قانون الحركة و التغير الأزلي إلى مكانه و نناقشه)
فناموس التوازن من اهم النواميس الكونية و لولا وجود هذا الناموس لما وجدت جميع الوحدات التي سيفعل فعله داخلها قانون التناقض و الصراع , بل إن قانون التوازن ذاته يحتوي على قوانين التناقض في داخله و ذلك كونه يحتوي و يعبر عن توازن بين طرفين متناقضين بوضوح غير ملتبس , اما هو في تعريفه و مفهومه فهو شيء واحد و فعلاً واحد التوازن بين نقيضين . وهذه الاخيرة شيء مختلف عن فعله في المرحلة السابقة التوزيع المكاني لتموضع المادة المتكتلة في الحيز بحسب شروط الحيز والمادة نفسها , رغم انه نفس الناموس أي التوازن ولكن ليس شرط ان يكون هذا التوازن دوما بين نقيضين , ولكنه يشمل كل شيء موجود سواء كان نقيضين صارع او انسجام او غير ذلك , ونشير لهذا رغم مطلقيه التناقض في جميع الوحدات التي نعرفها .
إن التوازن ليست فكرة مجردة او احجية ,, أنه واقع مادي شامل وعام وجوهري يتجسد في جوهر الظواهر و ينتج عنه الشكل الخارجي , الوحدة وكذلك هو كباقي القوانين ليس المادة ذاتها وإنما تعبيراً عن وجود هذه المادة في حركتها و تطورها و لهذا بإمكاننا بناء على واقعه اعتباره من أهم القوانين الفلسفية بل هو له دوراً حاسماً في حال تم فهم فعله في الظواهر , وهنا نسوق مثالاً بسيطاً مجتمعي لتوضيح ذلك , نظام الملكية الخاصة مثلاً في كافة المراحل استطاع ان يحافظ على وجوده رغم وجود التناقض الكبير المتواصل عبر اَلاف السنين بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج وبين المنتج و الانتاج ذاته وهذا خارج عن نواميس الحركة الاجتماعية الاناسية .
و هذا معناه أن هناك طريقة ما قد منعت هذا التغير لفترة طويلة من الزمن و ما زالت قادرة على الحفاظ على نظامها رغم كل ما تم كشفه حول طبيعة الاستغلال و رغم حجم الاستغلال و تفاقم الأزمات , إن السبب الأول في ذلك يكمن في أن الطبقات الحاكمة تحل هذه القضية من خلال القوة وتحافظ على هذا التوازن والاستمرار في الوجود.
و الدليل على ذلك أن أي منطقة ذات نظام ملكية ربحي إذا وقع فيها إي ضعف أو فراغ في السلطة والقوة ينتشر العنف و الفوضى والخروج عن القانون على الفور و بعدها لا يصبح سهلاً ضبط الأوضاع إلا بالقوة , و اختلال التوازن قد حصل منذ اَلاف السنين , منذ نشوء الملكية الخاصة و ذلك بسبب طبيعة الملكية الخاصة نفسها المتناقضة التي تحرم المنتج من انتاجه و هذا أصلاً نظاماً غير متوازن ونظام جائر ولكنه استطاع أن يحل هذه المشكلة من خلال القوة ولهذا دعت الضرورة لتشكيل الجيوش والقوة العسكرية وذلك لتحقيق التوازن .
إن فقدان التوازن الاجتماعي هو أساس ضرورة وجود الجيوش والقوة من أجل المحافظة على النظام وحل مشكلة عدم التوازن , وفي أي لحظة تغيب فيها القوة ستشيع الفوضى على الفور.
لقد حافظت الرأسمالية القديمة والحديثة وفي كافة المراحل على وجودها من خلال فهم قانون التوازن وعلاجه من خلال القوة وهكذا بقية محافظة على وجودها فعلاً اَلاف السنين بنفس الطريقة ولن تستطيع الاستغناء عنها ( أي القوة ) لكون هذا معناه انتهاء وجودها على الفور كنظام استغلالي مسيطر .
إن فهمنا العميق لقانون التوازن رغم التناقض و فعله سوف يسهل علينا الإجابة على الكثير من التساؤلات و من أهمها قدرة النظام الربحي المحافظة على ذاته و وجوده عبر اَلاف السنين , وما زال قادراً على الاستمرار في هذا الوجود ما دام يمتلك هذه القوة التي بدونها لن يستطيع الحفاظ على هذا التوازن والوجود.
إن فهم التناقضات و توازنات القوى فيما بينها هو أساس القدرة على قيادة حركة التاريخ وتغيره بأقل الخسائر الممكنة وكذلك على صعيد الطبيعة فإن فهم توازنات الطبيعة وتناقضاتها يجعلنا قادرين على حل الكثير من الإشكاليات التي تواجهها البشرية من التصحر إلى النفايات إلى موضوع للطاقة السوداء الخ..
و الفهم العميق لهذا الناموس أيضاً سيمكن في التغلب على الكثير من القضايا التي يمكن أن نؤثر على توازناتها في عملية التغير , و من أهم ما يوضحه هذا القانون و يثبته أن انتظار الحتمية التاريخية بناء على حتمية القوانين غير صحيحة.
و ذلك كون فهمنا لهذه القوانين سيمكننا من تأخير أو تأجيل وقوع هذه الحتمية أو تلك و قد تصل أحياناً إلى إلغاء هذه الحتمية ما دمنا قادرين على توفير الظروف الملائمة لذلك , تماماً كما فعل ويفعل النظام الربحي حتى الاَن.
إن الحتمية التاريخية ليس تماماً كما هو حال الحتميات الطبيعية فالحتمية الاجتماعية خاضعة لتعقيدات مغايرة عن ما هو في الطبيعة , رغم فعل القوانين ذاتها في كلا الطرفين و لكن مع الحركة الاجتماعية تأخذ هذه القوانين فعلها بطريقة مشابهة و متوافقة مع طبيعة المجتمع البشري كظاهرة اجتماعية.
و لهذا السبب تصبح قضية الحتمية قضية نسبية لها علاقة بعدة عوامل ذاتية و موضوعية قد تعيق أو تمنع التغير لآلاف السنين كما حصل في النظام الربحي الذي ما زال معاصراً منذ اَلاف السنين منذ بداية نشوء الملكية ومفهوم الإقطاع واستغلال نظام وحقوق الملكية الخاصة , فنشأت ظاهرة الرق كنتيجة حتمية لنظام الملكية .
لقد استطاعت الإقطاعية بالقوة والقمع والتضليل المحافظة على نظامها لقرون طويلة متجاوزاً بذلك قوانين تناقض المجتمع والطبيعة , بل وطورت نظام الرق والربح والعملة والربا وتحولت من الممالك الصغيرة الى الامبراطوريات والإقطاعيات الكبيرة الشاسعة والمتطورة .
و استطاعت تحقيق استمرار وجودها بالقوة حتى جاءت البرجوازية و أطاحت بسلطة الإقطاع و إقامة سلطتها هي , وهذه الأخيرة لم تقم بحل التناقض الأساسي في المجتمع المتمثل في (نظام الملكية الخاصة) الموروث بل حافظت عليه استمراراً لمصالحها فهي طبقة نشأت بحكم طبيعة نظام الملكية ذاتها وهي أحد أطواره ليس إلا, و لذلك بقيت البرجوازية بحاجة إلى نظام القوة والأمن إلى جانب الحريات , تلك الحريات التي كانت تهدف المستثمر بل وسهلت عليه استثماره من خلال السماح بظهور قانون المزاحمة وفوضى الإنتاج , وهذا الأخير من ضمن المرحلة البرجوازية الصناعية الربحية.
إن الفهم العميق والصحيح لهذا القانون الهام والقوانين اللاحقة , تشكل الأساس في الرؤية التاريخية و المعرفية سواء للمجتمع أو للطبيعة , وإذا كان قانون الوحدة والصراع هو أساس التطور فإن قانون التوازن النسبي هو أساس الوجود بحد ذاته وهو الارضية والخلفية التي تساهم في تشكل الاشياء في الواقع .
ونشير هنا الى ان القوانين الفلسفية العامة للتطور بحسب الواقع الفعلي بالضرورة العودة دوما مع نهاية شرح كل ناموس الى الاصل والمصدر وهو ناموس الكتلة والحيز والطاقة الاساسي الذي يشكل الى جانب ناموس التوازن , والصعود من هذا الاصل القاعدي الذي وحده لنا ناموس الكتلة والحيز الاساسي , بل اصبح قاعدة انطلاق لجميع القوانين بعد ان كان ملقا طوال الوقت على قارعة الطريق .
فحين تتوزع الكتل والفراغ بشكل يتناسب مع القدرات الاحتمالية لطاقة الحيز ومقدار تحملها لمنسوب الطاقة للكتل المتشكلة , والتي ساهم في تشكلها منذ الاساس يدخل فعل قانون التوازن بين الكتل والمكان , وفي نفس الوقت جمع بين المتناقضات وحافظ عيها في تكتل ما , بحكم التوازن بين مكوناتها المتناقضة داخليا , وبهذا تداخل التوازن بين المتناقضات مرتين معا , مرة حين وزع الكتله في الحيز العام , مرة حين تدخل في وضعها الداخلى بحيث حافظ كناموس على تماسكها الداخلي وترابطها وقوتها الجاذبة الداخلية , وبذلك يصبح قانون التوازن قد لعب دوره بشكل متداخل عنقودي مع كافة النواميس السالفة الذكر , وتصاعد لدينا في فعله ووجوده مع تصاعد المرحلة , وهنا تلقائيا ننتقل الى مرحلة جديدة من تطور حركة الواقع , وهي الترابط العضوي الشامل , وهذه ايضا من نواميس الوجود الاساسية , التي تشكل في فعلها وتداخلها احدى اساسيات الواقع والوجود الذي نعرفه و الذي لا نعرفه , وهذا الناموس هو (ناموس الترابط والتفاعل العضوي الشامل)
معادلة ناموس التوازن الشامل
يعني بالمختصر أي احتمال واقعي ممكن ان يؤثر على توازن أي من المتناقضات الداخلية للظاهرة او الخارجية يعني حتما تغير ما على هذه الظاهرة , وفي حال ارتفع مستوى هذا التأثير وتصاعد الى درجة معينة تصل الى حد الحسم فسيحدث تغير جوهري شامل على الظاهرة او اشيء , من أي نوع موجود كان .
ونكثف الناموس في معدلة رياضية مفادها
توازن شامل + احتمال واقعي ممكن = تغير حتمي . ممكن بسيط وممكن ومعقد وقد ويؤدي الى تغير شمولي او نفي .
ت ش + ا و م = ت ح , جزئي او كلي .
من هنا ننطلق من هذه المعادلة البسيطة , من البسيط الى المعقد بشكل متوالي ومتسلسل متنقل من البسيط الى المعقد حتى الوصول الى اعقد الظواهر واشملها وهو الكون والوجود .
كل ما علينا الان هو تفعيل الدماغ والعقل في استعمال هذه المعادلة الرياضية الاحتمالية الفلسفية البسيطة والتنقل بها بين الظواهر و الاشياء حسب حاجتنا فتعطينا الاتجاه العام للواقع فندرك مسبقا نوع التفاصيل المطلوبة لإكمال الصورة عن الحقيقة الواقعية الممكنة .
(يتبع الحلقة الخامسة)
رماز الاعرج ,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق