الجمعة، 6 نوفمبر 2020

النّصيب بقلم عفاف الجربي

 //النّصيب //

جمعهما رابط متين ، إذ نشأتا بحارة واحدة ، بل بنهج واحد ، شربتا من كأس الفقر ذاته ، احتضنهما نفس الكتّاب و نفس المدرسة ، كم كانت الألعاب البدائية البسيطة تفرحهما و تطرد شبح السّأم عنهما ، و تحدث مرحا لكن أحيانا شيطنة غير محمودة ، تنتهي بصياح و شجار و افتكاك للعبة ، هو العوز غرس في العقول تلك الوحشية ، لعن الله الفقر . كان على احداهما التحمل و الرضى بالنصيب و العودة للبيت خائبة أو الانكفاء على ذاتها أو الشكوى للأمّ بدموع حرّى ، اذ الأخرى قد منّ الله عليها بصوت فصيح و جسم و قوي ، و شبّتا تحملان طموحات متشابهة كانت بحجم فقر الأبوين و قدرتهما على التوفير ، الانقطاع عن المدرسة كان الحل لمثلهما و هو ما حدث ، و هو أمر لم يكن ليؤثر عليهما في تلك الظروف القاسية ، حين تتندران تذكران من المدرسة بعض الحركات الطائشة ، و ما أرق تلك الضحكات التي ترسلانها ، كان أن جمعهما مصنع خياطة فترة من الزمن عرفتا فيه المشقة و سيطرة المؤجر و النهوض الباكر و المشي في لفح الشمس مسافة ، كانت "صاحبة اللسان الطويل" تأخذ من راتب جارتها سلفة لكنها تراوغها فلا تعيدها ، و تعجبها اشياؤها فتستعملها ، و تمادت في استغلال براءة صديقتها فتوارت خلفها مرات في اخفاء أخطائها في العمل .
لم تدم فترة المراهقة كثيرا و تحوّل سكنهما فافترقتا و انقطعتا عن العمل .
تبادلتا الزيارة ، ثم آل الأمر إلى التراسل لإطفاء ظمإ الشوق و تبادل الأخبار ، و دارت عقارب الزمن متسارعة حتى شبّتا فأخذتهما مشاغل الحياة ، و طرق الحب الأبواب و خفق قلب إحداهن بالتعرف إلى فارس الاحلام صاحب الحصان الأبيض ، حلم حياتها و انجرفت الى مشاعر عميقة و وجدت نفسها تبني المستقبل في خيالها و تستشرفه بعينين حالمتين ، لكن يا للخيبة ، تبدد كل شيء ، لقد ابتعد ، غاب و لم يسأل ، و قيل لها أنه سافر .
و بعد زمن انشغلت فيه بالعمل و إعالة أسرتها ، تلقت دعوة لحضور حفل زواج جارتها و صديقة طفولتها ، و عاهدت نفسها على الحضور متشوقة لرؤية الصديقة و باحثة عن فرصة للانتشاء و مخالطة الأحبة .
يا للصاعقة التي أدهشت عينيها و قرعت رأسها و دوت بدماغها ، من تزوّجت صديقتها ؟ هو نعم هو من كان يوما خطيبا لها و أملا لسعادتها .
حتّى الرجل آل إليك ؟ أما كفاك اللعبة ؟ أما كفتك الدمية ؟ أما كفتك نقودي و أشيائي الصغيرة التي كانت تروقك ؟ حتّى الحب و المشاعر ؟ سامحك الله يا صديقتي .
عفاف الجربي
لا يتوفر وصف للصورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق