أمي و الجبّانة و سيّدي و بعض الاتراب صور ظلت تشرق
في خاطري مع بداية كل موسم دراسي، منذ بلغت السادسة
من عمري. وظلّت صورة أمي ، رحمها الله،أوضحها.
فإلى روحك أمي سلاما
سلاما لأمّي التي ارضعتني
حليبا تعطّره الكبرياء
سلاما لخطو تهادى
يسوق الرّبيع لأعتاب بيتي
لترقص نشوى
عليها السّنابلْ
وتشدو البلابلْ
وقد أزهر الحبّ في خاطري
سلاما لوقفتها في الغروبِ
إذا ما ذهبتُ و حين اؤوبُ
لخوْفٍ عليّ
برغم المشيبِِ
سلاما لتلك الطّلاسمْ
تراتيلَ ما كنت أسبِر أغوارها
بخورا تضوّع صوتا معتّقْ
وحرزا و حصنا حصينْ
دعاء لخوفٍ عليَّ صباحي
سلاما عليّ
صبيّا يخطّ مُناها لأوّل يوم إلى المدرسهْ
سلاما عليها توشّحني أدعيهْ
صبيّا يجيء من الجامعِ
بلوح الخشبْ
وختم قصارِ السّورْ
ليرسم أول خطو إلى المدرسهْ
يعود بفيض الأماني
يجيئها مثل الغزال خفيفا
صبيّا نحيفا
و خطّ الطباشير فوق الجبين له غرةٌ
فتحضنه و يغرق في عبق الاسئلهْ
يعيد عليها الذي قاله "سيّده"
ويرسم بالكلمات البسيطه
محبّته الحرف و الرّقم والمسأله
إلى أن يناما
و قد وسّدته الكتبْ
ففيها تنام الصورْ
و يرقد سحر حكايا العجبْ
سلاما لها حين تُمسي على فرح غامرٍ
أهازيجَ عرسِ
و زخّ زغاريد يزهر عند نجاحي
سلاما لصبر جميلٍ
و مجد اثيل
ينمنم احلى جبينٍ
و ينبجس من رواء الالم
كوشم على أصدق وجنتين
سلاما لخوف عليّ
من السّحر و الاعين الحاسدهْ
سلاما عليها تفسّر لي حلْمها حلُمي
سلاما عليها تهندس بيتا صغيرا
بايام فقرِ
و نوبات ذعرِ
عليّ من الآخرينْ
سلاما على لبؤة في العرينْ
سلاما يوقعه صوت احلى خلالهْ
على وقع مِروَدْ
يغازل صوت الأساور
مدغدغة وشم معصمْ
يربّتني حلُما
في خيوط الأملْ
و أوتار منسجْ
يرصّف سحر الخطوط الجميلة
طيورا جِمالا نخيلا وعوسجْ.
( محيي الدين الدبابي )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق