قبل الرحيل
تعبت يا أمّي...
و اشتعل الشّيب في رأسي...
و مازال حلمي يعاندني...
يناديني...
تمهّل و لا ترحل...
و ظلّ الطّفل في صدري...
يدغدغني...
يتمطّى...
و ينطّ هنا و هناك...
و يتبختر...
فيمدّ يديه إلى سماء الحلم و يبعثر النجوم و الكواكب...
و يتحدّى لهيب الشمس بكفّه الأحمر...
و لم يكبر...
كبرت يا أمّي...
و اجتثّوا من ضلعي كل أحلامي...
و آمالي...
و شرّدوا الحجر الأخضر...
و باعوا تراب الأرض...
و يتّموا خبزها الأسمر...
و اغتالوا سماءنا...
فلم تمطر...
و سحقوا شموع الفرح في دربي...
كبرت يا أمّي...
و قررت أن أرحل...
و لملمت جراحي...
و بعض ما تبقّى من ضميري و رجولتي و شجاعتي...
و بعتها في سوق النخّاسين...
كما باعوا...
و قبضت ثمنا لروحي و لم أخسر...
و لن أغفر...
كبرت يا أمي...
و كرهت وطني... و ساسته...
كرهت الأرض و الشطآن و الجدران
و شوارع عمري و كل ما سُطِّر...
كرهت نفسي...
و رفعت يدي للسماء...
و ناجيت: "أيْ ربّي... ألا تَنْظُر؟؟؟ أمازلت لهم تُنْظِر؟؟؟"
قالت: "ويحك يا كبدي آستغفر... و لا تكفر..."
قلت: "هو علاّم الغيوب... و ما أُضْمِر"
كبرت يا أمي...
و لم أعد ذاك الصّبَيَّ الأغبر...
و قرّرت أن أرحل فلا تردّيني...
و إن عدت في كفني...
فلا تبكيني...
و ضمّيني...
و سلي الله أن يغفر لي حلمي...
و حبي لوطن... سكن القلب و الرّوح و أكثر...
و لا تنسيْ الماء على قبري...
فعساه وطني...
بعد موْتِي... أن يزهر...
عماد الشابي
القيروان
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق