الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

(( عذب المخاض.)) بقلم المتألقة \ هاجر العوري




عذب المخاض.

اللّيل ابني وابن خاصرتي ...حملت به ذات قلق. 
نام بأحشائي ونبت فأنجبني. أصل الحكاية انه حينها كان يكبر ببطني ويتضخّم ..عند كل دهشة كان يسألني عن العابرين وعن عشق الغيوم للسّماء وعن قحط القلوب وجدب الرّوح وعن أقراط جدتي التي أنهكها حلم الصابرين. كان يتدفق مني الكلام كفرحة بقلب عائد بعد نأي. كنت أجيبه فيزداد تضخما. يدغدغ جوفي بأنامل الحيرة فنتسامر في غفلة من الحقيقة .
قالت قابلة القرية أنني لن أضع حملي قبل نهاية موسم القطاف ولكنّها كذبت ككلّ الحزينات..ككلّ الموقنات أن وجع المخاض سيفنيهنّ لكنهنّ يلدن قبائل من ورد وجرح وقبائل من وجع ...
ذات نعاس انتفض صوتي يريد الرّحيل من حلقي كما أراد وليدي أن يرحل من ضيق أعياه 
واستيقظت أمي تسكنها اللّهفة لترى حفيدها لقدصدّقت أنه وجع المخاض .أسرعت إلى القابلة تقرع بابها بجنون...تعالت قهقهاتي يشوبها وجع أزرق قاتم وأنا أرى القابلة تزحف نحوي كالرّيح في شتاء يعوي ..انتصبت أمامي بوجه كالح كرماد الذّكرى...شهقت وأذهلها حجم بطني كان كبيرا متعبا كالوطن . كلما تحسّست جنبيّ ضحكت بصوت الغريبة التائهة التي تستخف بجغرافية العاديّ قلت لها .." سأعطيك كل قروشي وبعض الذّرة على ألاّ تفصحي عن جنس وليدي ولا عن لونه...ولا عن صوته..بل سأعطيك قرط جدتي ...بل سأعطيك حزمة من أمس جففته حتى لا يتعفن أعده مؤونة السنين العجاف ..." صمتت قليلا وأطرقت دهشتها موقّعة عقد السكوت ..كل ما في الغرفة هجع ما عدا صوت المخاض...صرخة أولى ..فثانية...فعاشرة ...فألف...أنجبت ابني...كان اسمر بلون الأرض..شاهقا كصوت الصدق ...ناعما ككلمة "أحبك" ...ضمّني إليه وقال "هاتي ما بجرابك من وجع ...كم كتم الجرح على أنفاس روحك ...تكلّمي ولا تتكتّمي..كم أصغيتِ لثرثتي وأنا هناك آكل من صفاقك ولا تقتاتين آن الأوان أن يسترخي 
الوجع الذي كلم الصمت فيك ...تنهدي...استقطري الحزن واستفرغيه...أنا هنا أعدّ لك عقدا من النجوم...أرصّعه بضحكات العاشقين وأطرّز لك فستانا من قوافي القصائد...وأعدّ لك وسادة من غيم وردي...أنقذك من منفى العمر ..لم تنجبيني..بل كنت نسلي ..خبأتني ومضة حارقة وها أنا الآن لك بردا وسلاما ستسافرين معي لا شيء في جراب دمك غير الأمنيات..تخففي من وزنك لتحلقي...ستطيرين كالنوارس..تماما كالنوارس وستجتازين ضفاف الآن الملتهب...لك بؤرة ضوء خبأتها لك....ولك الآتي المشتهى .... " ...ألم أقل لكم أنّه من أنجبني ................
هاجر العوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق