رحلتي معَ الكُتب
........................
هذا حديثٌ عن الكُتب وعشقي لها. وهوَ اۡحلی حديث لِكُلِ مَن عشِقها . فهيَ الداء الذي لااُريد لَهُ دواء والعِله التي لااۡطلبُ مِن ربي اۡن يكون لي معها شِفاء . وكيفَ اۡدعو الله عزوجل ان يشفيني وَيحرِمني مِن رفيقٍ مافارقني يوماً في حلي وترحالي . ولاغاب لحظۃً عَن فكري وعن بالي . رَفيق ماكانَ يَحلو لي وقتٌ او سهرٌ بِدونه ولم اۡری لِلعينِ فاءِدۃٌ اِلا النظر في حروفهِ ومتونَه . اشمُ عِطرهُ صُبحَ مساء وهل عِطرٌ مِثلَ عِطرِ كِتاب؟ ولقد تعلقتُ بِهذهِ الكُتب غراما وعشِقتُها حتی صارَ العِشقُ هياما . وَمَن هامَ بِها صحَ مِنهُ عقلٌ وتعبَ مِنهُ البدن . وقضی عُمرهُ سهرانٌ يُجافيهِ الوسن . ولقد صرفتُ عليها الدنانير الكثيره/ وما اقلها في جيبي/ حارِماً نفسي مِن كَثيرٍ مِما لَذَ وطاب . قانِعاً دوماً بِالبسيطِ مِن الاشياء والثياب لَعلي اۡوفر مبلغاً اۡو بعضَ مبلغ لِكتاب . ويشهدُ الله وكُل مَن عَرفني اِني كُنتُ تعيسَ حَظٍ في اكثر امور هذهِ الدُنيا اللهُمَ اِلا حظي معَ الكُتب فقد كُنتُ مِنها صاحِبَ حَظٍ وافِر . اِذ وجدتُ اكثر الكُتب التي كُنت ابحث عنها ومِنها ماندرَ وجوداً وعزَ مطلب . وكم مِن كُتبٍ كُنتُ اراها مَرميۃٌ علی قارِعۃ الرصيف عِندَ باءِعها تشكو الاۡهِمال ويعلوها الغُبار وتمرُ قُربها اۡحذيۃً لِلناسِ تلمع وانوف شامِخه علی لاشيۡ وروۡس مملوۡه بِالفراغ لِحدِ الشبعِ والتُخمه . كُنتُ اساۡل نَفسي واۡعجَب : كيفَ يمرون بِها ولايقِفون؟ وكيفَ كُل هذا الجمال مرمياً علی الاۡرض ولاتَخطفهُ الاۡيدي اۡو حتی تَلحظهُ العيون؟ كُنتُ اۡدنو مِنها واۡجلِس قُربها وحين اۡضع اۡحدها في يَدي اۡنفخُ عليهِ بَعضاً مِن اۡنفاسي كي اُزيل ماعلقَ بهِ مِن غبار . وَلطالما شعرتُ انَ هذهِ الكُتب تبحث عني كما ابحث عنها - ربما لاِمتزاج روحها معَ روحي في الاۡفق الاۡعلی - ولاتعجبوا لِحديثي - فَهذهِ الكُتب هيَ اشبهُ شيۡ بِنا : مِثلها مِثلنا . لها روح كاۡرواحِنا وجسدٌ كاۡجسادِنا : لها يوم ميلاد ومكان وِلاده - وبعدَ ذلِكَ فكثيرٌ مِنها لهُ تاريخَ وَفاۃ . فيوم ميلادِها يوم خروجها مِن المطبعه خَلقٌ جديد بعدَ اۡن كانت جَنيناً في راۡس كاتِبها ماراۡی قبلَ الطبع وجودا ولابَصرَ حياۃ . ومكان وِلادتِها في اي بلدٍ مِن بِلاد ارض الله الواسِعه : فَهذهِ عِراقيه وتِلك مصريه - وهذهِ شاميه والاخری مَغربيۃٌ او اوربيه وغيرها كثير .. اۡلا فَلتنزِل عليك رحمۃٌ مِن الله وبركات اۡيُها الاِنسان الالماني العظيم/جوتنبرج/ يامن اِخترعت الطِباعه وكُنتَ سببا في كُل هذا العِشق والجمال . وَهذهِ الكُتب مِنها مايُعمر سنين طويله يُساعِدها علی ذلِك ورقٌ متين وجِلدٌ قوي واۡيدي تعرِف قيمتها فَتُعامِلها كَدُرٍ ثمين . ومِنها مالايملك مِن هذهِ الاسباب شيۡ فَيُرد لاِرذل العُمر وهوَ في ريعان الشباب : لاهوَ حيٌ معَ الاحياء ولا ميت معَ الاۡموات - فما تكاد تُقلِب اوراقهُ حتی يتحول بِيدِكَ اِلی رماد ... والكُتب حينَ تموت بِاۡجسادِها فانما تموت بِاۡسباب تُشبه اسباب موتنا : فَمِنها مَن يموت حرقاً ومِنها مَن يموت غَرقاً ومِنها ماتاۡكلهُ الاِرضه والسوس كما تاۡكل اۡفات المرض احدنا فتتركهُ اۡثراً بعدَ عَين .. ولقد كان اول معرفتي بِها واۡنا صَبيٌ اِبنَ عشر سنين - يومَ قادتني قَدمي لِمكتبۃ الحاج راقي في شارع الفاروق بالموصل القديمه حيثُ اسكن قريباً مِن هُناك . كانَ رحِمهُ الله يبيع مجلۃ/ المِزمار ومجلتي/ وهيَ مجلات اطفال تصدر مره في كُل اسبوع . وكان اسعد يوم في حياتي يوم صدور العدد الجديد - كُنتُ انهض صباحاً يسبقني قلبي قبل قدمي واۡنا اخطف الطريق خطفاً - جاعِلاً مِن الخطوۃِ متراً : حبيبٌ يَدفعهُ الشوق لِلقاءِ حبيب . وحين اۡصِلهُ انقِدهُ سِعرها دِرهماً ونصف دِرهم واۡعود لاِقراۡها مِن الغِلافِ لِلغلاف مااترك كلِمه او حرفاً او صوره . وكبرتُ وكبرَ معي مااقراۡ - فعشِقتُ كُتب التاريخ وقراۡتُ/ لِلطبري وابن الاثير وابن الوردي وابو الفِدا والمسعودي والجبرتي وجيبون ورنسيمان وويلز وبرستد وغوستاف لوبون وغيرهم كثير وتعلقتُ بِكتُب تراثنا العظيم في اللغه والادب فقراۡت لِلجاحظ والثعالبي والمُبرد والتوحيدي - ودواوين الشِعر مُحققۃً علی يد مُحققين كِبار مثل محمد ابو الفضل ابراهيم وعبد السلام هارون ومحمد محي الدين والشنقيطي
ومحمود احمد شاكر وغيرهم . وهناك كُتاباً حَرِصتُ علی قِراءت كُل كتبهم مثل/ الرافعي وطه حسين وزكي نجيب محمود وترجمات عادل زعيتر وشكيب ارسلان ومحمد كرد علي واحمد تيمور باشا وشيخ العروبه احمد زكي وعلي الوردي وعبد الرحمن بدوي الذي عَرِفتُ الفلسفه وجمالها حين عرفتُ كُتبه فقراۡت الفلسفه بِمدارِسها واۡعلامها : يونانيه واوربيه واِسلاميه . ويشهد الله اِني ماذكرت هذهِ الاسماء تفاخُراً واِنما لِكونِها اسماء مَن كانَ لهم الفضل في فتح ابواب المعرفه امامي . والان بعد كُل هذهِ السنين مِن جمعي لِلكُتب فما هيَ النتيجه؟ الكِتاب صارَ كُتب - والكُتب صارت مكتبه - والبيتُ صغير مافيهِ اِلا غُرفتين : غُرفۃً تَلُمني معَ اهلُ بيتي - والغُرفه الاخری تَلمُ الكُتب في صناديق مُقوی ... هذهِ الغُرفه هيَ كُل عالمي الذي اعيشهُ - واِذا كُنتُ اخشی مِن شيۡ فوالله مااخشی اِلا اۡن تُفارقِني الكُتب قبلَ ان افارقها - ولقد مرت سنين الحرب الثلاثه الاخيره في مدينتي وكاۡنها دهر طويل : فكم مِن قذاءِف الهاون سقطت في شارِعنا وعلی اۡسطح منازِلنا - وما خشيتُ علی نفسي كما خشيتُ عليها خوفاً اۡن يطولها صاروخاً اعمی ولاادري بِدونها كيف كُنت ساۡعيش لَكِنَ الله سَلَم .. هذا ماخطرَ في البال عن الكُتب التي ماغابت يوماً عن الفكرِ والبال - والحمدُ لِله اولاً واخر .
.............
بقلمي/مثنی ادريس حديد
الموصل العراق
السبت، 23 يونيو 2018
رحلتي مع الكتب ،،،،، للشاعر/مثنى إدريس حديد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
احسنت وابدعت يا ......
ردحذفابن النديم
الان اتذكر الاوقات التي جمعتنا في المكتبات
كم كنت مدهشا
وانت تبحر في عالم الكتب والنوادر منها
ولكل كتاب معك حكاية
كم كنت تدهشنا
فنتمنى لو يطول بنا الوقت معك ولا ينتهي
ما كنت تعرفه من اسرار الكتب وحكاياته
كان بحرا وتركت المكتبيين في سواحله
كم تمنيت لو رأيتك صاحب مكتبة
كم سيكون الامر جميلا
ولكن مهلا
اني اخاف عليك من الكتب
انها لن تمكث فوق الارفف طويلا
ستتقافز نحوك تعانقك وتقبلك
ايها الرائع العزيز
ودمت لصديقك والاحبة