الأحد، 5 نوفمبر 2017

قصيدة بعنوان {مصير } بقلم الكاتبة الاديبة الراقية /الشاعرة المبدعة خديجة أجانا / المغرب

مصير
على كرسي متحرك، تدفعه إلى ركن قصي من حانة شاحبة الملامح، خفتت أضواؤها، و تعالت أصوات روادها، تختلط فيها روائح عطور رخيصة بروائح الخمرة و السجائر لتسد جميعها النفس و مداخل الهواء ... تصدح الست :
" أروح لمين ؟ و أقول يا مين ينصفني منك؟
ما هو أنت فرحي و أنت جرحي و كله منك ..."
تضع على طاولته قنينة "بيرا " ، تشعل سيجارة، و تمدها إليه. يأخذها بيسراه المرتعشة. تدير ظهرها، و تلتحق بالشغل. تشتغل دون كلل؛ تشرب كأسا مع أكرش مسن، تمسح رأس أصلع، تهمس في أذن أطرش كلمات، فينفجر ضاحكا، ترفع كأسها لزبون جديد، فيرتفع ضغط شهوته ، تحكي نكتة عارية تفجر ضحكات المخمورين ...
يتابع شغلها ... يرى نفسه لاهثا على قدميه إليها، و قد ترك ، وراءه ، وردة تذوي و براعم جائعة ... يلبي كل طلباتها، و يزيد عليها ليعود آخر الليل مخمورا مفلسا. يتيه في أدغال ذاكرة علا معظمها الصدأ، يحاول اقتناص لحظة فرح شاردة، بالكاد يقبض على ذيلها لتنقض عليها لحظات حزن ضارية .... و تصدح الست : " و اليوم في بعدك بيفوت سنين، أروح لمين؟"
و يردد في قرارة نفسه، بعدما خانه صوته كما خانته قدماه و يده اليمنى و ... يردد : " أروح لمين؟ و مين ح يرحم أسايا ؟ و أقول يا مين و مين ح يسمع نداي؟ ... ما ليش حبايب في الدنيا ديه ... "
تتابع شغلها ، تعب كأسا مع هذا، " تتفاصل " مع ذاك ، تهدي قبلة لآخر ، و ... يبلغ السكر منها مبلغه، تتهالك في حضن برميل أشيب و ...
تبدأ الرؤوس المشبعة خمرا تتثاقل، و يبدأ أصحابها ينفضون جيوبهم ليغادروا ... تهمس في أذن النادل، و تدس في جيبه ورقة خضراء. تتأبط ذراع البرميل، ترخي رأسها على كتفه، و يغادران يترنحان ... تتبعهما عيناه إلى باب الحانة، ترتدان لتغرقا في ملح العيون، فيناشدهما :
" أ عيني ، لا تجودا، و اجمدا،
لا تبكيا صخر العدم ... "
يغادر الزبائن تباعا، ينتظر دوره خلف طاولته البئيسة، تؤثثها قنينة " بيرا " فارغة ، و منفضة سجائر . يغلبه النعاس، فيسقط رأسه على كتفه ...
كتلة عظام عليلة، التصق بها الجلد بعدما غدرها اللحم و هجرها، يحمله من على كرسيه المتحرك ، يضعه على فراش مهترئ مقعر ، يناوله سيجارة محشوة ، و يغادر .
يسحب أنفاسا عميقة متتالية ، ينفث آهات متقطعة ، يطارد خيط ذكرى ينفلت و يحرر دمعه.

خديجة أجانا / المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق